برغم مقتل أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة وقائدها الكاريزمي في مايو من العام الماضي على يد قوات المارينز الأمريكية، فيما اعتبره بعض المحللين، لا سيما داخل أروقة صناعة القرار السياسي في البيت الأبيض، بداية النهاية لأكبر شبكة إرهابية عرفها العالم على مدى تاريخه وجغرافيته، ممثلة في تنظيم القاعدة وكافة التنظيمات والحركات التابعة له والمنتشرة على طول الخارطة العالمية وعرضها، والتي لطالما أقضت مضجع الأمن العالمي عامة، والأمن القومي والمصالح الأمريكية خاصة، إلا أن عددا غير قليل من التقارير التي صدرت مؤخرا، داخل الولايات المتحدة وخارجها، شكك في جدوى هذه العملية وقدرتها على النًيل من تنظيم يتمتع بالمؤسساتية الإدارية والرؤية الإستراتيجية بعيدة المدى، والتي تشكل حصنه المنيع ضد أي انتكاسات يمكن أن تنجم عن أية تحولات أو تبادل في الأدوار على مستوى قياداته ونخبه
حزمة من المكاسب
ولعل أحدث هذه التقارير هو ما صدر عن معهد جنوب وزيرستان للدراسات الإستراتيجية في الخامس من يناير الجاري 
والذي استعرض أهم التطورات (The Swish Report 20)  تحت عنوان 
على الساحة السياسية الشرق أوسطية خلال النصف الثاني من عام 2011 وتداعياتها على الأهداف الإستراتيجية لتنظيم القاعدة والحركات التابعة له
وأكد التقرير أن التحولات السياسية الجذرية التي غيرت، ولا تزال، ملامح الخارطة السياسية في المنطقة تصب في مجملها في مصلحة الأهداف الإستراتيجية والأجندة العملياتية للتنظيم؛ فإذا كانت تونس قد شهدت على مدى الأيام القليلة الفائتة عملية تحول سلمي في اتجاه شراكة سياسية موسعة، فإن المشهد السياسي في مصر، وهو الأهم بحسب التقرير، لا يزال على المحك بسبب إصرار المجلس العسكري على التمسك بتلابيب السلطة بشكل أو بآخر، مما قد ينعكس بالسلب على معادلة التحول السلمي في اتجاه إستراتيجيات التحول الراديكالي التي يتبناها التنظيم
كذلك فإن سقوط نظام القذافي في ليبيا، والذي مثل شوكة في حلق الحركات الراديكالية على مدى ما يزيد على أربعة عقود كاملة، بمساعدة قوات أجنبية، سوف يجعل هذه الحركات أكثر إسهاما في ملف القاعدة في المغرب العربي خصوصا، وملف الجهاد العالمي بوجه عام
ولا يختلف الوضع كثيرا في سوريا، حيث يميل التقرير إلى تبني أطروحة التدخل الأجنبي، ولو بشكل غير معلن،  لإسقاط النظام القائم في غضون أشهر قليلة، الأمر الذي سيفضي بالبلاد إلى حالة من الفوضى والعنف يمكن للقاعدة الإفادة منها
وفي السياق ذاته، تشهد الساحة السياسية في اليمن والصومال ونيجيريا العديد من التطورات المتلاحقة والتي تخدم الأجندة القاعدية بشكل كبير. ويخص التقرير الحالة النيجيرية والتي تشهد تمددا واضحا في نشاطات الجماعات الراديكالية؛ بل يضيف التقرير أن مكتب المعهد في واشنطن قد تحدث عن حالة الاهتمام المتزايد في الدوائر الرسمية الأمريكية بالأوضاع في نيجيريا، بما قد يدفع بالإدارة الأمريكية إلى التدخل المباشر في الشأن النيجيري
إلا أن التطورات الأكثر أهمية، وفقا للتقرير، هي تلك التي طالت المسرح السياسي في العراق وباكستان وأفغانستان؛ فبرغم انسحاب القوات الأمريكية من العراق إلا أن إصرار الولايات المتحدة على الاحتفاظ بقوات أمن خاصة، وتمثيل دبلوماسي مكثف يدلل على رغبتها في الاحتفاظ بقدر من النفوذ على الساحة العراقية، مما يعطي الحركات التابعة للقاعدة الفرصة للقيام بعمليات موسعة ضد نظام المالكي، ولا سيما في ظل التصاعد المطرد لحالة السخط الشعبي التي يعانيها النظام في الأوساط السنيّة
من جانب آخر، تأتي خطوة الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان والسعي الدبلوماسي الحثيث للتوصل إلى تسوية سياسية في المسألة الأفغانية - حيث أثبتت الحرب في ضوء سياسات إدارة أوباما، سواء  في الحالة الأفغانية أو غيرها (كالعراق)، أنها عمل عبثي لا طائل من ورائه-  بمثابة فرصة سانحة لطالبان وغيرها من الجماعات المسلحة للحصول على نصيب في الكعكة السياسية الأفغانية (بالرغم من التحذير شديد اللهجة الذي يوجهه التقرير إلى القاعدة من النظر إلى تلك الوضعية باعتبارها تخليقا جديدا لنفوذ قاعدي أو حتى فرضية ينبني عليها استعادة القاعدة لنفوذها وتمركزها في أفغانستان، بصورة تشبه ما كانت عليه قبل الحادي عشر من سبتمبر 2001)؛ ولكن يبقى هذا التوجه على الساحة الأفغانية، بكل الأحوال، مزية يمكن للقاعدة الإفادة منها بشكل أو بآخر
ما على الصعيد الباكستاني، فقد شهدت العمليات العسكرية الأمريكية، والتي اعتمدت في الفترة الماضية على الإغارة بسلاح الطائرات من دون طيار، ولا سيما في منطقة القبائل، والتي كلفت القاعدة الكثير من الخسائر، تراجعا واضحا بسبب موجة السخط التي أثارتها هذه العمليات في الأوساط السياسية والشعبية الباكستانية، لتعارضها مع مبادئ السيادة، فضلا عما سببته من خسائر مادية وبشرية. ويضيف التقرير أن باكستان تقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة يخيم عليها حالة من العنف والفوضى؛ وبرغم صعوبة التنبؤ بما يمكن أن تفضي إليه هذه المرحلة، إلا أنها تمثل بيئة يمكن للقاعدة الإفادة منها
ويختم التقرير بأن الوضع العملياتي للقاعدة في العام 2011 بصورة إجمالية لم يكن مكافئا لما كان عليه في العام 2010 بسبب السياسات المعتدلة للرئيس أوباما والتي بددت صورة الشيطان الأكبر الأمريكي التي رسختها إدارة بوش، ولكن، ومع هذا التراجع العملياتي، فإن العام 2011 قد شهد تصاعدا ملحوظا في انتشار الأيديولوجيات القاعدية، ولا سيما في اليمن والصومال ونيجيريا وأجزاء من شمال إفريقيا بسبب عوامل محلية ليس للقاعدة فضل فيها
عوامل القوة في مقابل عوامل الضعف
لا شك في أن هذا التقرير، والذي لم يمض على صدوره أيام قلائل، قد أثار لعاب العديد من المراكز البحثية المتخصصة والمحللين الإستراتيجيين للتعاطي مع ملف القاعدة من جديد، بصورة أكثر موضوعية تتفادى الأجواء الاحتفالية التي خيمت بعد مقتل بن لادن والتي أخفت تحت صخبها العديد من الحقائق، وذلك من أجل وضع صانع القرار السياسي في الولايات المتحدة أمام الصورة الحقيقية للوضع الراهن للقاعدة والحركات الموالية لها، كان من بين أبرز هذه التحليلات ذلك التقرير الذي نشرته
Al-Qaida: Struggling to Surviveوكالة الأنباء الفرنسية تحت عنوان
  (القاعدة: الصراع من أجل البقاء)
Insurgents Group amid a U.S. Lull in Drone Strikesو
(جماعة المتمردين في ظل تراجع غارات الطيارات من دون طيار الأمريكية)
New York Times في مجلة
 (القاعدة على المحك: قصة مقاتل)  Al-Qaida on the Ropes: One Fighter's Inside Storyو
وغيرها من كتابات التحليل الإستراتيجي Newsweek في مجلة
التي ظهرت تباعا في أعقاب صدور تقرير معهد جنوب وزيرستان للدراسات الإستراتيجية والتي أكدت على مجموعة من الحقائق يمكن
: إجمالها بما يلي
يواجه تنظيم القاعدة خلال الشهور الأخيرة ثلاث تحديات أساسية تتمثل في نضوب مصادر التمويل بعد موت بن لادن، حيث لا يمتلك القائد الجديد (الدكتور أيمن الظواهري) الثروة أو حتى العلاقات التي كان يمتلكها الأول ،حيث تتبنى هذه التحليلات أطروحة تمثيل الظواهري الذراع الفكرية للتنظيم في مقابل الذراع التمويلية والعملياتية الذي يمثله بن لادن
أما التحدي الثاني فيتمثل في النضوب البشري الذي يعانيه التنظيم بعد نجاح العمليات العسكرية الأمريكية ،ولا سيما تلك التي استخدمت فيها الطيارات من دون طيار، في استهداف العديد من الكوادر القاعدية خاصة في الشمال الغربي من باكستان والتي أدت إلى انتقال العديد من الجماعات شبه المسلحة إلى جهات مختلفة ،أغلب هذه الجماعات، وعلى رأسها شبكة حقاني، توجهت إلى أفغانستان للعمل ضمن منظومة الجماعات المسلحة بها
ويأتي الربيع الثوري في البلدان العربية ليضيف تحديا ثالثا إلى قائمة التحديات التي يمكن أن تسهم بشكل فاعل في انحسار، وربما انهيار، تنظيم القاعدة واستراتيجياته التي ترتكز على التغيير الراديكالي والتحول الفابي بعد أن نجح هذا الربيع في إثبات فعالية إستراتيجيات التحول السلمي والدمقرطة
الكاتب: أحمد بركات،إسلام أون لاين
أحدث أقدم