تحتد المنافسة الانتخابية بين المحافظ الصهيوني، نيوت غينغريش والملياردير المورموني ميت رومني، ولكن داخل هذه المنافسة للفوز ببطاقة تمثيل الحزب الجمهوري لمواجهة باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر المقبل "2012" يتبارى المترشحان الجمهوريان الأكثر تقدما في زمرة المتسابقين الجمهوريين في معركة أخرى محتدمة لا تقل شراسة بين غينغريش ورومني، يمكن تسميتها "معركة المزايدة في تقديم الولاء والانحياز الكامل لإسرائيل وإبداء أكثر قدر من كراهية العرب والاستهانة بحقوق الفلسطينيين
فقبل خوض الانتخابات التمهيدية في ولاية فلوريدا صرح ميت رومني في مناظرة تلفزيونية مع نيوت غينغريش بأن باراك أوباما ألقى إسرائيل تحت الحافلة معتبرا أن اقتراح جعل حدود 1967 كنقطة انطلاق للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو تضحية بإسرائيل، وأن الفلسطينيين هم الذين لا يريدون حلا للنزاع على أساس الدولتين لأنهم يريدون القضاء على إسرائيل
وهكذا استعمل ميت رومني بدوره كل خبثه السياسي للتجمل في أعين اللوبي الصهيوني حتى يلتحق بمرتبة الرضا الصهيوني التي نالها منافسه نيوت غينغريش الذي أنكر فكرة وجود الشعب الفلسطيني التي اختلقها العرب لأن الفلسطينيين هم جزء من الشعب العربي، وعوض أن يلتحقوا بدو لهم العربية في الأربعينيات، ظلوا يحاربون إسرائيل ويعلمون أطفالهم الإرهاب في مدارسهم، وقد وعد كل من رومني وغينغريش أن تكون إسرائيل هي أول دولة سيقومان بزيارتها بعدالفوز
فما الذي يجمع بين نيوت غينغريش المنتمي إلى الكنيسة الإنجيلية التي يؤمن اتباعها بأن قيام دولة إسرائيل وسيطرة اليهود على مدينة القدس هي مقدمة لعودة المسيح المنتظر الذي يقضي على اليهود ويمكن المسيحيين من بسط سيطرتهم على العالم من جهة، وبين المسيحي المورموني ميت رومني،من جهة أخرى الذي ينتمي إلى طائفة مسيحية تعتقد بأن الإنجيل محرف ولها نبي مؤسس للطائفة هو المدعو جوزيف سميث ولها كتابها المقدس ورغم اتفاقها مع أغلب التعاليم الواردة في التوراة والإنجيل فإنها لا تقدس الصليب وتؤمن بتعدد الزوجات وتحرم العلاقات الجنسية خارج الإطار الزوجي وتحرم الخمر والقمار والإجهاض، هذه الطائفة التي كادت تتعرض إلى الإبادة على أيدي إتباع المذهب البروتستانتي فبي أواسط القرن التاسع عشر بأمريكا، إذن ما الذي يجمع هذان المرشحان على تأييد إسرائيل وكراهية العرب
وهل يمكن المراهنة على فوز المرشح الديمقراطي باراك أوباما لعهدة رئاسية ثانية للمساهمة في تخفيف غلواء الانحياز الأمريكي الفاضح للمحتل الصهيوني
ألم يكن باراك أوباما هو الذي تعهد بجعل الالتزام بأمن إسرائيل قضية لا مساومة ولا مراجعة عنها؟
أليست الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس أوباما هي التي هددت باستخدام حق الفيتو ضد قبول دولة فلسطين كعضو في منظمة الأمم المتحدة، وقطعت حصتها في تمويل منظمة اليونسكو بعد اعترافها بعضوية فلسطين فيها؟
أليست إدارة باراك أوباما هي التي رفعت الراية البيضاء أمام إصرار حكومة نتنياهو على مواصلة الاستيطان في أراضي السلطة الفلسطينية، وتخلت بلا خجل عن شرف الالتزام بإنجاح المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين للتوصل إلى إحلال السلام بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة إلى جانب الدولة الإسرائيلية؟ ألم تصبح عملية المفاضلة بين الديمقراطيين والجمهوريين لاستعادة الحقوق الفلسطينية والعربية كالمفاضلة بين الكوليرا أو الطاعون؟
كيف تدهور مستوى التقدير والاعتبار لأهمية العرب والمسلمين في حسابات الإدارات الأمريكية منذ تأسيس الكيان الصهيوني المغتصب على أراض فلسطين في سنة 1948 إلى أيامنا هذه؟
يقول الكاتب والصحفي آلان غريش مدير تحرير جريدة "لومند ديبلوماتيك" في مقال له بالجريدة نفسها منشورا في 29 سبتمبر 2011 " من عجائب تقلبات التاريخ أن واشنطن كانت في سنة 1948 تخشى من مغبة إعلان إسرائيل لاستقلالها وأن ذلك الأمر سيثير ردود أفعال معادية للغرب في الدول العربية، وإذا كانت وزارة الخارجية ووزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية "سي.آي.إي" يعبرون عن قلقهم من قضية الاعتراف بدولة إسرائيل فإن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للمستشار القانوني للرئيس الديمقراطي هاري ترومان، فقد ألح مستشار الرئيس كلارك كليفورد على مسألة وجود الدولة الإسرائيلية ولذلك ينبغي لأمريكا أن تعترف بها قبل أن يسبقها إلى ذلك الاتحاد السوفياتي، وبعد بضعة أشهر انقلب موقف الإدارة الأمريكية فقدرت آنذاك بأنها ستستفيد من إبداء دعمها لإنشاء دولة إسرائيل".
المهم أن أمريكا كانت تخشى في سنة 1948 من ردود الفعل المعادية والغاصبة للدول العربية في وقت كانت فيه أغلب الدول العربية واقعة تحت وطأة الاحتلال ولم تكن سوى سبع دول منها تتمتع باستقلالها، ولكن روح المقاومة كانت تضع الشعوب العربية في قلب حركة التحرر العالمية لنيل الكرامة والاحترام والاستقلال.
أما اليوم فإن الأشخاص أو الأحزاب الذين يطمحون لتحسين رصيدهم الانتخابي في أوروبا أو أمريكا من أصحاب الاتجاهات المحافظة واليمينية المتطرفة يلجأون إلى تصعيد الخطاب العنصري ضد العرب وتحقير مقدساتهم والاستهانة بحقوقهم وقضاياهم المصيرية.ولذلك يمكن للمرشح ميت رومني الذي أدعى بأن الله خلق أمريكا لتقود العالم أن يضيف بأن "ساسة أمريكا جعلوها مجرد مركوب لإسرائيل"
أن موجة الربيع العربي لم تقدم بعد ما يدل على أن هذه الأمة في طريقها إلى الخروج من حالة الغثائية والاستضعاف التي تغري حثالات السياسيين في التنافس لإظهار الولاء والتزلف لأعدائها في مقابل الدوس على كرامتها