بينما تنبئ التوقعات بشأن المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي بأنها قاتمة، ويمعن الجمهور الأمريكي القلق في تأمُّل الاحتمالات الكئيبة لأي تحرك عسكري، انصب مجددًا الاهتمام نحو احتمال تغيير النظام في إيران. ولكن هل حقًّا تغيير النظام الإيراني على يد الولايات المتحدة، سواء عن طريق فرض العقوبات أو التحرك المباشر، يعد احتمالاً مجديًا؟
وقد ساق كلٌّ من "ريول مارك جريشت" و"مارك دوبوويتز" البراهين على أنه ينبغي على الولايات المتحدة تحري العقوبات التي تؤدي في النهاية إلى تغيير النظام. وبحسب رؤيتهم، فإنه من خلال فرض العقوبات "قد تولد مجددًا في بلاد فارس ثورة ديموقراطية مضادة. وربما حافظت إيران الديموقراطية على القنبلة النووية التي بناها خامنئي، إلا أنه من المرجح حينها أن تتعايش الولايات المتحدة و"إسرائيل" وأوروبا وربما معظم الدول العربية معها دون كل هذا الخوف
وقد يكون إغراء الإطاحة بالجمهورية الإسلامية جليًّا. فربما تسهم العقوبات في إبطاء المسعى النووي الإيراني ولكنها على الأرجح لن تؤدي إلى تراجع البرنامج. أما الضربات العسكرية من شأنها أن تلحق أضرارًا ولكنها لا يمكن لها ضمان تدمير منشآت نووية رئيسية مثل منشأة التخصيب حديثة الافتتاح في مدينة قم؛ والواقعة على مسافة 300 قدم تحت الأرض. ويعتبر الكثيرون أن فقط تغيير النظام هو ما من شأنه أن يقلص التهديد الذي يمثله وجود إيران مسلحة نوويًّا
إلا أن الأمر الذي غالبًا ما يغيب عن هذه المناقشات هو أن الشعب الإيراني فقط هو من يمكنه تحقيق تغيير جدي في النظام. فلم يعد في استطاعة الولايات المتحدة إحداث تغيير سياسي جديد في إيران، كما فعلت من قبل أثناء الإطاحة بالحكومة الإيرانية المنتخبة شعبيًّا عام 1953. فالعقوبات ضد البنك المركزي - على سبيل المثال - قد تخلق حالة من الهلع الاقتصادي واسعة النطاق، كما ستهز من ثقة الشعب في الحكومة الإيرانية. بل يمكن للعقوبات كذلك أن تصعد من حالة الاستياء لدى الإيرانيين من الوضع الراهن إلى درجة يكونون فيها أكثر نزوعًا للخروج إلى الشوارع في احتجاجات شعبية. ومع ذلك، فإن الإيرانيين لن يهبوا للإطاحة بحكامهم فقط بسبب المعضلات الاقتصادية وحدها وبالتأكيد ليس بناءً على وصية من الولايات المتحدة
وتتنوع الأسباب وراء القلق الإيراني، وتتراوح ما بين الحالة المزرية لاقتصاد البلاد إلى سوء الإدارة والفساد الحكومي. بالرغم من ذلك، فإن العامل الأكثر أهمية هو افتقار النظام إلى الشرعية نظرًا لمعاملته إجمالاً مع الشعب الإيراني. وكانت الانتخابات الرئاسية عام 2009 قد قضت على إيمان ملايين الإيرانيين بالسياسة الانتخابية. وقد أظهر تعزيز "آية الله علي خامنئي" والحرس الثوري لسيطرتهم على السلطة وردهم العنيف على المعارضين الإيرانيين أن النظام - الذي غالبًا ما يشير إلى خامنئي باعتباره حاكم "مطلق" لا يدين إلا للسلطة الإلهية - لم يعد ينظر إلى الإرادة الشعبية باعتبارها ركيزة للنظام السياسي
إن معارضي النظام ليسوا فقط هم المتأنقين والعلمانيين من الرجال والنساء ممن يقطنون شمال طهران. بل حتى أعضاء من الحرس الثوري قد شعروا بخيبة الأمل من نهج الحكم الاستبدادي لخامنئي. وقد كتب مؤخرًا القائد السابق للقوة البحرية التابعة للحرس الثوري "حسين علائي" خطابًا إلى صحيفة إيرانية كبرى قارن فيه ضمنيًّا بين سلوك خامنئي والشاه الإيراني السابق؛ الذي تعامل يومًا مع تطلعات شعبه بازدراء. وتنتشر خيبة الأمل من النظام في جميع الدوائر السياسية والعسكرية في إيران. وهي غالبًا ما تكمن تحت السطح، ولكنها حقيقية وذات قوة فاعلة
إن الإيرانيين فقط هم من يمكنهم تغيير النظام إذا ما سعوا من أجل ذلك. فإيران لديها المكونات الضرورية لنظام سياسي أكثر ديموقراطية بدرجة أكبر من العديد من جيرانها، ولدى إيران طبقة متوسطة عريضة وذات تعليم جيد إلى جانب مجتمع مدني يتعرض للقمع ولكنه لا يزال نابضًا بالحياة
ولن تؤدي العقوبات بشكل مباشر إلى انهيار النظام، إلا أنها يمكن أن تخلق المساحة والوقت اللازمين للولايات المتحدة لإحباط برنامج إيران للأسلحة النووية في الوقت الذي يولد فيه نظام سياسي أفضل في إيران، وينبغي على الولايات المتحدة ألا تتحرى عقوبات بقصد تغيير النظام ولكن لتقويضه من أجل منح الإيرانيين فرصة لإحداث تغيير بأنفسهم
في الوقت نفسه، ينبغي على الولايات المتحدة أن تولي اهتمامًا متزايدًا بشأن انتهاكات حقوق الإنسان والافتقار إلى انتخابات شرعية فيما يواجه النظام الانتخابات البرلمانية والرئاسية
وللأسف، يمكن للعقوبات أن تضر كذلك بالإيرانيين أنفسهم ممن يعارضون الحكومة. فالحركة الخضراء، التي تؤيدها الطبقة المتوسطة في إيران، سوف تعاني من وطأة العقوبات، وربما ينتفع فعليًّا من العقوبات على المدى القصير عناصر الحرس الثوري من الضالعين في عمليات التجارة غير الشرعية في إيران، بالرغم من ذلك، فمن غير المرجح أن يُستثنى على المدى الطويل أي قطاع في المجتمع الإيراني أو النظام السياسي نظرًا لضخامة العقوبات ضد البنك المركزي، إن إيران ربما ستعاني بأكملها، إلا أن الجهود المبذولة من أجل تقويض النظام الإيراني لن تكون بلا ثمن سواء بالنسبة للولايات المتحدة أو الشعب الإيراني
الكاتب :علي رضا نادر،مفكرة الإسلام
أحدث أقدم